نسق المنطق ومنطق النسق

Posted: 22/12/2009 in أبحاث فلسفية

نسق المنطق ومنطق النسق

دراسة في العرض النسقي للمنطق عند ابن سينا

The System of  Logic and The Logic of  System

A study in the systematic exposition of logic of Ibn Sina (Avicenna)

كريم الصياد

2008

نُشرَ بمجلة الجمعية الفلسفية المصرية، عدد 17، سنة 2008.

المحتويات

1-    المقدمة

الفصل الأول: الحقيقة والصورة (بحثًا عن مفهوم الحق في الوعي الإسلامي):

– الإيجاب: الهجوم

الدفاع

النقد العقلي للوحي

النقد العقلي للعقل

– السلب:    الهجوم

الدفاع

النقد العقلي للوحي

النقد العقلي للعقل

– نتائج ختامية

2-    الفصل الثاني: نسق المنطق:

– الحدود

– القضايا

– البرهان

– النتائج (الحقيقية)

3-    الفصل الثالث: منطق النسق:

– تجسُّدُ النسق

– الأنسقة وبتر الزوائد العَقَدية

–  منطق نسق المنطق

4-    خاتمة البحث

5-    قائمة المصادر والمراجع

المقدمـــــــــة

شغلت قضية الوافد والموروث، أو الوافد والرافد، أو التراث والعصر، أو التراث والحداثة، أو الاتباع والإبداع، أو الثابت والمتحول، أذهان الباحثين والمفكرين بشكل مزمن، منذ ما يُعرف بصدمة الحداثة أو نمو الوعي الفكري أو النهضة الفكرية، وذلك فى ارتباطها بنمو الوعي القومي وإلا استبدلنا كلمة “الإسلام” بكلمات “الموروث” و “الرافد” و “التراث” و”الثابت” وتعقدت القضية.

وتعددت مستويات وطرق المعالجة، منها ما يستبدل الثقافة الغربية بالثقافة الموروثة، ومنها ما يرتد إلى الموروث لإعادة اكتشاف أسباب التقدم فى المنابع الأولى، ومنها ما يحاول تغيير المسار بغير استبدال أو ارتداد عن طريق تغيير اتجاه الانحدار العام لسطح الثقافة وتصور التاريخ، وإن أجمعت كل تلك المعالجات على أن الأزمة ليست أمامها وإنما الأزمة الحقيقية تقبع فى الما وراء، ذلك أن عمل المفكر فى الغالب يدور حول المحور الثقافي ذى التسلسل القضوي والذى يمكن تعديل مساره بتعديل مقدماته، وهو سبب العودة النقدية للمفكر ونظرته للخلف، عكس عمل السياسي وعكس اتجاه نظرته.

وقد اعتمدت تلك المعالجات طيلة قرنين من الزمان على بعدين أساسيين:

الأول : هو البعد الشخصاني – الدرامي : ويظهر فيه عنصر ” السيرة-الحدث “، ويحاول المفكر من خلاله نصرة قضيته بتركيز الضوء على شخوص بعينها، وذلك فيما يشبه كتابة السيرة بشكل مباشر أو غير مباشر، لشخوص استبدلوا بالقديم الحديث، وبالاتباع الإبداع وساهموا فى نهضة أوطانهم، أو شخوص الرسل والأنبياء والصحابة والتابعين والشهداء والعلماء والمتصوفة ممن صدقوا ماعاهدوا الله عليه، أو شخوصٍ لمفكرين وعلماء وفلاسفة ومصلحين استطاعوا أو حاولوا – على الأقل – تعديل المصير بتغيير المُتّجه وغرس بذور الوافد فى الرافد والرافد فى الوافد على سبيل تأصيل الإبداع، والإرهاص بالجديد، واحتواء الحداثة[1].

الثاني : هو البعد اللا شخصاني – المجرد : وهو يخلو من الحدث والشخص، فلا يعتمد على التاريخ والسير، ويتجاوز حدود الحقب الزمانية، ويحلق على مستوى المبادئ والقيم والصور المنطقية والصراعات الأيديولوجية، ومن خلاله يتحول المفكر من شخوص التابعين أو المبدعين أو المفكرين المرهصين بالجديد والناقدين للحداثة إلى ملاحظة ونقد علاقة اللزوم القيمي أو المنطقي لكل من محتويات المعالجات السابقة.

وتَجمع أغلب المعالجات البعدين معًا لتحقيق الوحدة البنائية، وتعليل أعمال الشخوص، وتشخيص مبادئهم، وذلك على التبادل، إلا ما توجه من هذه المعالجات إلى الجمهور فاقتصر على السرد الأدبي للسير، أو ما توجه إلى الخاصة فاقتصر على الاستنباط والبرهنة المقالية والبحثية، دون دعوة أو رسالة تقود الباحث والبحث، خيرُ مآل الأمر  لدينا إذًا إلى الجَمْع.

إن ابن سينا واحد من هؤلاء المرهصين بالجديد والناقدين له، لم يكن إنسانًا معلقًا فى الفضاء من دون هوية أو قضية، لم يكن بمعزل عن السياسة وهو مقيمٌ فى ديار الساسة مصاحبٌ لهم، لم يكن بمنأى عن الصراعات الطائفية والعقدية الدائرة من حوله وهو الذى ظهرت علاقة نسبة البيولوجي والفكري بالفرس والشيعة والمتصوفة واضحة لكل ذى عيان، لم يكن مجرد ناقل للفلسفة الأرسطية بذلك الحياد العلمي الأسطوري الأقرب إلى الخيال العلمي، لم يكن بريئًا.

وبالرغم من ذلك رسمت معظم المراجع صورته بما يحقق نفي النفي السابق، فهو – طبقًا لها – الفيلسوف العاشق للعلم لا المستخدِم له، المقدِّس لأرسطو لا الواعي به، الذكي لا الطموح، ذو العقلية الجبارة والحافظة المهولة، الذى عاش حياته طولًا وعرضًا وارتفاعًا وزمانًا، والذى صار نديم الأمراء والحكام فى كهولته وشيخوخته، بعد أن كان نديم أرسطو وفرفريوس وإقليدس وبطليموس والفارابي فى طفولته وشبابه([2])‍‍ ‍‍‍‍‍!!

والهدف أمام المجدِّد حينما يقع ابن سينا موقع الموضوع من وعيه، أن يتحول من نموذج راهب العلم إلى صاحب الدعوة، أن يتحول من الموضوع إلى الإشكال، وتتجلى قدرة الفيلسوف الخاصة فى (إشكال الموضوعات) – و”إشكال على وزن” “إفْعَال” كـ “إبدال” و “إكمال” و “إشعال” – حيث يفرض الفروض، ويستنبط النتائج، بمنهج فرضي استنباطي Hypothetico – deductive method، يترك التحقق Verification إلى العالِم والمؤرخ ويستبقي لنفسه مسئوليته عن جدة الفروض، وطاقتها التفسيرية، وبساطتها، واتساقها، وأخيرًا قدرتها على إلهام باحث قادم يؤمن بجرأتها وخامتها الخلّاقة.

الهدف هو “إشكال” نسق المنطق عند ابن سينا، بما هو منطق أولًا، وبما هو نسق ثانيًا، ويبدو من الصعوبة بمكان على التصور افتراض توظيف ابن سينا أو سواه للمنطق توظيفًا أيديولوجيًا ما، وهو آلة العلم الصورية بلا محتوَى محدد، فلو كان “المُشكَل” موضوعًا من موضوعات الفكر الديني أو الأخلاق أو السياسة أو حتى الطبيعيات (لعلاقتها بما بعد الطبيعة) لكان هذا أقرب إلى التصور، وأكثر مباشرةً إلى الهدف.

لكنْ تتجلى قدرة الفيلسوف الخاصة فى “إشكال” ما هو ومَن هو أقرب إلى الحياد، وكلما كان الموضوع محايدًا، كلما اختبر مهارات التفلسف حتى يحدد أبعد حدودها، ومدى اتساعها، وعمقها، وفاعليتها.

يبدأ الفصل الأول بالتمهيد، وهو إحكام وتفصيل للإشكالية تحت عنوان “الحقيقة والصورة“، وهو شكل من أشكال المعالجة لقضية “الوافد والموروث”، ويعرض لشكل الصدام بين العنصرين وأشكال تطور ذلك الصدام من خلال نماذج قديمة وحديثة، لينتهي إلى نتيجة مفادها أن الصدام وقع بشكلٍ أساسي فى نقطتين : المنطق والنسق، مما يلج مباشرةً إلى الفصلين الرئيسيين للبحث: الثاني والثالث، يتناول الثاني”نسق المنطق” : الحدود والقضايا والبرهان والنتائج، فى حين يتناول الثالث “منطق النسق” :اللانسقية فى الموروث، والأنسقة فى الوافد وبالوافد، ومنطق النسق عند ابن سينا.

يظهر ابن سينا فى الفصول الثلاثة في صور مختلفة، فهو مجرد نموذج للدراسة لفرض الفرض فى الفصل الأول مع عدة نماذج آخرى، لكنه تحت الضوء المركز فى الفصل الثاني فى صورة الأيديولوجي العقلاني، وهو فى الفصل الثالث فى مسوح العالِم الصارم، لكنْ الذى يخرج من هذه المسوح أحيانًا ليبدو فى صورته فى الفصل الثاني مرةً آخرى أو مرات آخريات.

الفصل الأول

الحقيقة والصورة

(بحثًا عن مفهوم الحق في الوعي الإسلامي)

تعد الحقيقة Truth هى المحتوَى، المضمون الذهني عن الكيان العيني، أما الصورة Form فهى الإطار، هى الشكل الخارجي، هى التعبير عن الحدود والإحداثيات التى يتم نظم المحتويات طبقًا لتصميمها الأوّلى، هى آلة العلم إذا كان المحتوى علمًا، هى المنطق إذا كان المحتوى معرفيًا، هى العَروض إذا كان المحتوى شِعرًا، هي التصميم الهندسى إذا كان المحتوى ماديًا ملموسًا، هى أبعاد السلم الموسيقى ومواصفات المقام والصيغة إذا كان المحتوى إيقاعًا ونغمًا، هى قوانين نيوتن وبلانك وآينشتين وهيزنبرج إذا كان المحتوى هو هذا الكون الطبيعى.

وقد استبعدنا مصطلح المضمون بدلًا من الحقيقة لما لمصطلح الحقيقة من بعد إيجابي يدل على اصطفاء مضمونها، فهي حكم معرفي وقيمي في آنٍ.

كما استبعدنا مصطلح المنهج أو البنية بدلًا من الصورة ، لأن المنهج أكثر تخصيصًا من الصورة، فهو خطوات محددة لعمل العقل، الصورة تستغرقه وهو لا يستغرقها، الصورة هي التصور الكلي المجرد للعلاقات بين أجزاء الظاهرة الفكرية، وهو ما يرادف مصطلح البنية من وجه[3]، غير أن الصورة مصطلح أكثر ارتباطًا بالمنطق الصوري الأرسطي والميتافيزيقا الأرسطية في مقابل المادة أو الهيولى، كذلك استعمله كانط ليفرق بين مادة المعرفة وصورتها، وبين مادة القانون الخلقي وصورته[4].

الحقيقة والصورة شكل من أشكال المعالجة لقضية الوافد والموروث، وهى بنية ثنائية[5] ، لا يظهر فيها الوافد بما هو تراث الآخَر، ولا الموروث بما هو تراث الأنا، وذلك لعدم الانتماء القومي، واتجاهًا نحو أنسنة القضية، وتوسلًا للموضوعية، وفيها يظهر الموروثُ في ثقافتنا القديمة حقيقةً بدون صورة، محتوى بدون شكل، وبالتالي بدون نسق، بدون صورة أي: بدون نسق المنطق، وبدون نسق أي: بدون منطق النسق، هو ذلك المحتوى الجديد للثقافة العربية الذى لم يخضع لقوانين المنطق الصوري، ولم يأخذ شكلًا نسقيًا حتى فى عملية جمع المصحف والأحاديث النبوية، محتويات معرفية كثيفة مبعثرة مجهولة العلة أحيانًا، وفاقدة للترابط أحيانًا آخرى.

وجاء المنطق الصوري ليصطدم بهذا المحتوى فى القرن الثالث الهجري، وهو ثقافة الصورة فى مقابل الحقيقة، كان المنطق الأطروحة، والوحي نقيض الأطروحة، ويبدو للناظر إلى ما تقدم أنه لا صدام بين الصورة والحقيقة، فالصدام إنما يقع بين صورتين مختلفتين، أو بين حقيقتين متنافيتين، ولكن الواقع أن كلًا من المعسكر الإسلامي والمعسكر اللا إسلامي كليهما اعتمد على مقولة العقلانية لترجيح كفته[6] وذلك عندما اتخذ كل منهما لها معنًى مختلفًا، ويصير السؤال هل العقل هو الحقيقة أم الصورة ؟ هل صفة العاقل مرهونة بمحتوى محدد لا غير وعقيدة معينة ليس سواها أم تطلق على كل ذى فكر متسق وقياس سليم ؟

كانت مقولة “العقل” إذًا من الأسلحة ذات الحدين، مع اختلافٍ بين هذين الحدين، حد الحقيقة، وحد الصورة، وقد اعتمد جزء كبير من تاريخ الإلحاد فى الإسلام ونقد النبوة والوحي على العقل، كما اعتمدت بعض الحركات السياسية فى الدولة الإسلامية أيضًا على العقلانية، وذلك فى القرن الثالث الهجري، عصر المأمون، والترجمة، والمعتزلة، دون أي توجه إلحادي أو لا ديني[7]، وربما قام المأمون (بدأت خلافته عام 198هـ) برعاية حركة الترجمة، ونصرة قضية المعتزلة الميتافيزيقية (خلق القرآن) بغرض الانقلاب الثقافي على الفكر الجبري الذى شاع فى عصر حكم بنى أمية (باعتبار الخلافة الأموية قضاءً وقدرًا)، وذلك بعد نجاح الانقلاب السياسي (132هـ).

وفى المقابل اعتمد القرآن فى نقده للشرك على المقولة نفسها: {أوَ لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون}(البقرة – 170) {صمّ بكمٌ عمىٌ فهُمْ لا يعقلون}(البقرة – 171)، وأمثلة أخرى كثيرة، ومفهوم (اللاعقل) الذى يطابق (الضلال) لا يحمل فقط معنى معرفيًا، بل معنى قيميًا كذلك، ليس فقط معنى “الخطأ فى الحكم”، بل كذلك معنى “الإثم”، فخطأ المشركين ليس خطأ علميًا يمكن التعامل معه بالتصحيح والتجربة والقياس، ليس خطأ، بل خطيئة، وبالتالي أمكن لمئات الفقهاء ورجال الدين إدانة المخالفين لهم، وتصفيتهم المباشرة دون تناقض مع العقل، باعتبارالمخالفين حلقة من حلقات اللا معقول أو الضلال والشرك، وأصبح الاختلاف ذاته إثمًا، وذلك كما نجد عند ابن حزم(ت456هـ) مثلًا [8]، وليس من باب المصادفة أن يكون هؤلاء المخالفين في الأغلب من أعداء الدولة السياسيين.

اعتمد المعقول الديني إذًا على (الحقيقة) بحيث يُعد المخالِفُ لها خارجًا عن العقل، وحتى فى أشباه الأقيسة مثل: }لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتَا} لا يقدم النص قياسًا ينتهي بنتيجة مستنبَطة، بل يقدم (حقيقةً) تقريرية، ومحتوًى محددًا، لا يمكن اعتبار المخالف له بأية حال عاقلًا، ذلك أن مقدمات ذلك القياس ميتافيزيقية،لا يعلمها البشر إلا بالإخبار والتقرير النبوي ذاته، هى ليست إذًا نتيجة لقياس بل مقدمة لقياس يستعمل عبارة القرآن، هى في بداية قياس، لا فى نهايته.

ومن هنا ساد في علم أصول الدين والفقه العقلُ الأيديولوجي-العقَدي-الحقائقي، في مقابل العقل الفيزيولوجي في علم أصول الفقه، والعقل المنطقي-المنهجي-الصوري عند الفلاسفة والمناطقة.

فإذا كان العقل الأول يتأسس مفهومه على حقائق ونتائج، فالعقل الثاني يتأسس مفهومه على القيام بوظيفة طبيعية هي الانتباه الذي هو من شروط التكليف، والعقل الثالث يتأسس مفهومه على المنطق والمنهج، على صورة القياس وليس على نتيجته.

ويقوم البحث بتحليل أسس وفعاليات العقلين الأول والثالث، في حين يمكن الإلماح إلى أن العقل الثاني ظهر في علم أصول الفقه حين أكّد الأصوليون على أصل العقل كواحد من الأصول الخمسة من جهة، وحين قصروا مفهومه على الانتباه الفيزيولوجي(بحيث لا يكون مخمورًا)من جهة أخرى، وهو ما نجده مثلًا عند الغزالي(ت505هـ) في مستصفاه[9]، والشاطبي(ت790هـ) في موافقاته[10].

الأساس إذًا هو حقيقة القضية، وليس الصورة المنطقية، فقد تتعارض النتائج، وتظل الصورة صحيحة، وهو منطق الصدام بين الوحي والمنطق، فثقافة المنطق تسمح بوجود حقائق متخالفة فى الوقت نفسه، والوحي يعتمد الحقيقة الواحدة الوحيدة، وكان هذا المنطق ذاته هو منطق الهجوم على المنطق الصوري باعتباره يسمح بقيام الضدين وأكثر معًا فى الأذهان[11]، وبناء على ذلك أمكن اتهام الفلاسفة بالجهل من قِبل مهاجميهم[12]اعتمادًا على “حقيقة العلم” وليس على “منهج العلم”، على المذهب وليس على المنهج، هكذا تشكل مفهوم الحق فى الوعي الإسلامي جامعًا بين معناه الإبستمولوجي ومعناه الأكسيولوجي.

يتجاوز المنطق (وهو الأطروحة الوافدة اليونانية الأساسية باعتبار أرسطو المعلم الأول لأنه واضع علم المنطق) حدودَ المضامين العقدية، ويكرس لشرعية التعايش السلمي بين المعتقدات    المختلفات على أرض واحدة لا تميد، وهى حاصلة ثقافية وسياسية كان من المستحيل أن يسمح بها الواقع الفكري والسياسي فى العالم الإسلامي قديمًا وإلى اليوم، وإلا فقدَ الإسلام عصبيته، وفقد العرش أساسه، وصار التعاقد السياسى تعاقدًا بين الخليفة والمحكومين، وليس بين الخليفة والله.

هذا هو الحجم الحرج الذى يحدث عنده الصدام متخذًا شكل بنية ثلاثية مزدوجة، التثليث لأن الموقف مع المنطق أو ضده اتخذ ثلاثة أشكال : (الهجوم / الدفاع عن القضية المضادة / النقد)، مع ملاحظة أن النقد ينقسم إلى النقد العقلي للوحى، والنقد العقلي للعقل، ذلك أن هناك شكلين للعقل النقدي: العقل الناقد أو الذاتي، وهو أداة النقد، والعقل المنتقَد أو الموضوعي، وهو موضوع النقد، الأول هو الذات الواعية، والثاني هو قدرات العقل البشري موضوعةٌ للوعي.

أما الازدواج فهو المعبّر عن المعسكرين (مع) و (ضد)، الأول الإيجاب، والثاني السلب، ويختلف الهجوم أو الدفاع عن النقد فى كون موقف المهاجِم أو المدافِع جزئيًا مضمونيًا مرتبطًا “بالحقيقة” ولا يتعداها إلى “الصورة“، فى حين أن الناقد واعٍ بالصورة سواء قَبِلَ نتائج تطبيقها (إيجاب المنطق) أورفَضها (سلبه).

ويأتي النقد من العقل الذاتي إلى الموضوعي ليختبر قدراته المعرفية، وقد يراها أقبل للمنطق وأكثر احتياجًا له (إيجاب المنطق)، كما قد يراها أعجز عن الأخذ به أو أقدر منه على موضوعِه فى مقابل الوحي (سلبه).

أ – الإيجاب: 1- الهجوم:(أ-1):

يظهر ابن الراوندي(لم يثبت تاريخ وفاته ولا ميلاده قطعًا)[13]فى هذا القسم مهاجِمًا لا ناقدًا، ويتمركز هجومه حول “حقائق” الدين، وليس حول أسلوبه فى البرهنة أو منطق النص أو منطق العقلية النصية أو منهج الإجماع، يقتصر على مهاجمة الدين، وتصيد نقاط الضعف كما يراها فى الطقوس والسير وأخبار الآخرة، فالرسول أتى بما يخالف العقل كالصلاة والطواف، ولو كان الرسول صادقًا لاتسق مع العقل[14] ، وذلك دون تحديد ماهية ووظيفة العقل وحدوده، وبالتالي دون تحديد كيفية مخالفة العقل المذكور، ومن ذلك ينتقل إلى السيرة فيرى أن معجزة تجنيد الملائكة فى حرب بدر ليست بهذه العظمة والإعجاز، فلو كانوا شديدي البطش لقتلوا أكثر من السبعين الذين قُتلوا، ويتساءل أين كان الملائكة يوم أُحد حين انهزم النبي[15]، وهو جدال وتجريح مردود عليه.

ومما يشاكل ذلك نقده للجنة والنار إذ إن كلًا منهما وُصفت بما يخالف العقل، وظهر الخلط بين العقل والرغبة، مما يثبت هنا وقوعه وانحصاره فى دائرة “الحقيقة“، دون التوصل إلى “صورة” للعقل والمنطق والتصديق[16]، بيد أنه سيصل إلى نقد الصورة العقلية كما سيلي.

وقع ابن المقفع (ت759م) فى الدائرة نفسها، ولكن من خلال نقده للمتدينين وكان أقرب إلى الصورة ولم يصل إليها، فالتحول من العقيدة إلى المعتقِد (الفاعل) خطوة نحو منطق الاعتقاد ذاته، ويأخذ ابن المقفع على أرباب الملل اتباعَهم للهوى وميلهم وبعدهم عن العدل[17]، وهو خلط بين العقل النظري والعملي دون منطق أو صورة للجمع بينهما.

كذلك صب محمد بن زكريا الرازي (ت924م) هجومه على الحقيقة، حقيقة اختصاص الله لبعض البشر بشرف الاصطفاء وحمل الرسالة والهداية، وحقيقة أن الأديان لم تنشر السلام، بل زادت الناس شقاقًا وشقاءً[18]، وحقيقة كون الأنبياء مختلفين فيما بينهم، ولو كان المصدر واحدًا لاتحدتْ الرسالات[19]، وحقيقة أن الإعجاز البياني فى القرآن لا تحصيل فيه ولا جدوى منه[20], وهناك ما هو أبلغ منه من كلام فصحاء العربية وأكثر سجعًا وموسيقا وأكثف عبارة, وهذا الأبلغ موضع جدل, فإن لم يَرض به المسلمون, فعليهم هم أن يثبتوا بلاغة القرآن فوق ذلك, وهو جدل لا ينتهي ولا يُقطع بمنطق, فقد انشغل بالحقائق :الاختصاص, الشقاق, اختلاف الرسالات, المغالطة فى البرهنة على الإعجاز, وغفل عن الصورة, وكان قريبًا مثل ابن المقفع منها, غير أنه سيصل إليها.

أ-2 -(الدفاع):

الدفاع موقف أقل جرأة, لكنه أكثر هدوءًا, وربما دل على صعوبة رد الهجوم لقوة المهاجِم, وهو محاولة لإكساب الذاتَ الشرعيةَ للعمل, إيجاد محل للصورة فى ثقافة الحقيقة, الأمر الذي يتم بآليات محدودة هى التوفيق(بين حقائق النص الشرعي والنص الفلسفي لبيان عدم التعارض) والتأويل(تأويل ألفاظ الشرع لإكسابها حقيقة جديدة تتحد مع الحقيقة الفلسفية) والمماثلة (وهى مماثلة دور الحقيقة الجديدة لدور حقيقةٍ ما قديمة مما قد يُشعر المخاطَب بالحاجة إليها)، وذلك كما يلي:

أ-2-1: حاول ابن سينا – كنموذج للتوفيق – التوفيق بين حقائق الفلسفة وحقائق الدين وبيان عدم التعارض، كشكل من أشكال الترويج للسلع الفكرية، فالحكمة لا تخالف الشرع، والزيغ من النفس، لا من العقل، واستخدام النظير العربي لفيلوسوفيا (حكمة) دليل على ما يحاول القيام به، وهناك إدعاء للفلسفة، كما أن هناك صناعة صادقة أمينة، وتظهر الألفاظ القيمية (يدعون)، (يزيغون)، (بريئة)،… إلخ، وألفاظ الذم الديني (كالضلال) و(الزيغ)[21].

أ-2-2: التأويل كذلك آلية دفاعية، وشكل أقل فاعلية من التوفيق للترويج للجديد، فالتوفيق لا يتلاعب بالنص المقدس، ولا يُفقده أهميته، فى حين أن التأويل يجعل قيمة النص تؤول إلى الصفر تدريجيًا، لأن قوة النص تتحدد حسب بيانه وواحدية معناه، والتأويل إجمال وتعدد، البيان يرفع المقروء، والتأويل يرتفع بالقارئ، والأمثلة لا حصر لها على التأويل، لكن منها ما يرتبط بما سبق، ويمثل حلقة واضحة من حلقات السجال فيما سيلى، وأكثر أولية من حقائق المذاهب الفلسفية، هذا هو معنى كلمة (الحكمة) الواردة فى الآية القرآنية: }ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا{، فقد أولها الفلاسفة – ومنهم ابن سينا – على أنها الفلسفة العقلية، والملاحظ أن ابن سينا ما يزال يتحرك حول “الحقيقة”، يبدأ استهلال “النجاة” بالآية الكريمة، ليؤصّل “الحقيقة” لا “الصورة”، ويمهد بذلك “للصورة” التى تفيد وتسمح بتعدد “الحقيقة”[22].

أ-2-3: أما المماثلة فهى أقرب إلى الجدل والمغالطة، رغم أنها خطوة نحو الوعي الصوري، والمثال من ابن سينا أيضًا هو مماثلته بين نسبة المنطق للفكر، ونسبة النحو والعروض للشعر، والمغالطة هنا هى المماثلة بين النسبتين، وعدم التماثل بين الفكر والشعر، ويفرق ابن سينا بين المنطق من جهة، وبين النحو والعروض من جهة آخرى على أساس أن السليقة كافية لتعلم النحو والعروض بالفطرة والممارسة، أما المنطق فهو ليس بمستغنٍ عن تعلمه إلا من كان مؤيدًا من قبل الله تعالى[23]، وهى مبالغة مستفزة، تصعد بالمنطق إلى درجة الوحي، رغم أن أرسطو اكتشفه ولم يخترعه ولم يتلقه وحيًا، ورغم أن الفطرة أقبل للمنطق منها للنحو والعروض، لأن النحو والعروض يرتبطان باللغة، والمنطق أقرب للتجريد الرياضى، وهو بَعد الرياضات أكثر أشكال المعرفة صوريةً وتجريدًا، وهنا تم تحويل الصورة إلى حقيقة، والشكل إلى مُعطَى، وهو خطر المماثلة، والأخطر استدعاء الرد التكفيري من الآخَر بالمبالغة فى التسامي بالصورة إلى درجة الوحي، وبالصدام مع الثقافة العربية التى ظلت تربط تلقائيًا صراحةً وضمنًا بين المنطق الصوري والثقافة (أو اللغة) اليونانية[24].

أ – 3 ( النقد ): تظهر الصورة فى النقد، سواء كان النقد للعقل الموضوعي لبيان قدراته واحتياجه للمنطق, أو كان للوحي لبيان أهمية الصورة, وعجز الفهم التقليدي الشائع عن الاتساق مع ذاته مع تحصنه داخل المصاحف ومع عسكرة الآيات :

أ –3 –1: النقد العقلي للوحي: خلافًا لاستهدافه الحقائق فيما سلف, يتجه ابن الراوندي لنقد الصورة من خلال مبدإ الحسن والقبح العقليين, مستفيدًا من المعتزلة, واردًّا عليهم بألسنتهم, وكاشفًا عن هوةٍ لا قاع لها فى الفكر الديني بأسره, فالدين يستخدم مقولة العقل كسلاح, ولو كان لها من معنى فأساس معناها هو الاشتراك والبداهة فى الحقائق، وهذا يكشف عن لا جدوى التعاليم الدينية, إما لأنها بدهية فتنتفي الحاجة للوحي, وإما لأنها متناقضة مع البداهة إما بالاختلاف أو بالتضاد, وعندئذٍ يثبت خطؤها[25], ويظهر أيضًا لا معنى مقولة العقل فى النص الدينى، أو لا جدواها لمن أراد التسلح بها, أو تسليح النص بها. يتحرك محمد بن زكريا الرازي على المحور نفسه, حيث ينقد الإجماع والنقل التاريخي وعقول العامة وسلوك رجال الدين[26]، وهو نقد صوري يتعلق بمنهج – أو منطق – التصديق, مما يبرهن على فشل محاولة التسلح بالعقلانية التي يقوم بها الآخَر الفكري, وضرورة اللجوء إلى منطق أكثر اتساقًا مع ذاته.

أ – 3 – 2: النقد العقلي للعقل: يرى ابن الراوندي أن منطق التصديق العقلي السليم لا يجب أن يعتمد على الخوارقيات، ويستدل على ذلك من إيمان سلمان الفارسي وخديجة بنت خويلد وعلي ابن أبي طالب بالرسول دون معجزات فوق طبيعية[27]، وهو هنا يقوم بنقد صورة التصديق العقلي التقليدي المبنية على مشاهدة المعجزة، وهي السائدة على أية حال في الثقافة الإسلامية.

يقوم كذلك الحسن بن الهيثم ( ت 430 هـ ) بهذا النوع من النقد لبيان حاجة العقل إلى نسق المنطق ومنطق النسق (أي: الصورة), وذلك مع وعيه بوضع المقدمات, ومادتها, ومصدرها, وانتظام القضايا فى الصورة المنطقية[28].

وبشكل أكثر وضوحًا, يحتل المنطق مكانًا هامًا فى نسق ابن سينا لقسمة العلوم فى ( منطق المشرقيين) إذ تنقسم العلوم إلى مؤقت وأبدي, أما الأبدي فهو الحكمة، وتنقسم بدورها إلى أصول وفروع، وتنقسم الأصول إلى علم (حقيقة) وآلة للعلم (صورة), وينقسم العلم إلى نظر وعمل.. إلى آخر القسمة[29].

ويدرك الفارابي (ت 339هـ ) ذات المكانة للمنطق, حيث يقسم أصناف العلوم فى “إحصاء العلوم” إلى خمسة أصناف, أولها اللسانيات, وثانيها المنطق, وثالثها التعاليم (أي: الرياضيات ), ورابعها الطبيعة وما بعدها, ثم يأتي الصنف الخامس وهو العلم المدني (الأخلاق والسياسة وعلم الفقه وعلم الكلام )[30]. والأساس عند كل من ابن سينا والفارابي هو إدراك الطابع النسقي للمعرفة البشرية ( منطق النسق ), الأمر الذى أدى إلى الوعي بأهمية المنطق كآلة للأنسقة Systematization ( نسق المنطق ).

ب – السلب: 1 – ( الهجوم ): (ب-1)

يظهر الفقهاء على جانب نقيض القضية, ومنهم ابن القيم (ت 751 هـ), يهاجم الشخوص والقضايا, وحيث يهاجم القضايا يهاجم الحقيقة لا الصورة, وربما عن عدم وعي بالصورة تبدو معركة ابن قيم الجوزية معركة تراشق بالألفاظ وإلقاء بالسباب والتهم دون تحرّز, اتهام أرسطو بالشرك وعبادة الأصنام[31]، واتهام الفارابي وابن سينا بالإلحاد بوضعهما مع الملاحدة لإيمانهما بإلهيات أرسطو[32], وهو ما قام به الغزالي في المنقذ من الضلال[33]، وما قام به ابن تيمية في الرد على المنطقيين[34]، ويبدو عدم تمييز ابن القيم بين الحقيقة والصورة فى مقارنته بين الفلاسفة وأهل الكتاب[35], كأن الفلسفة دين من الأديان, غير مفرق بين منهج المعرفة فى كل من الفلسفة والدين, وبإغفاله للمنهج يغفل الصورة.

ويتضح عدم وعيه بصورة الفكر ومنهجه حين يستند على علوم التراث في الفقه وأصول الفقه والتفسير لينكر أهمية تعلم المنطق، رغم أن المنطق لا بد مباطن لها بشكل أو بآخر، سواء خلا من المغالطات أم لا، ورغم أنها لا بد معتمدة على منهج في القراءة سواءً انتظمت واتسقت قواعد هذا المنهج وانطبقت أم لا[36].

ويتأثر المهاجِم للمنطق والفلسفة بمنطق النسق دون نسق المنطق, فيعيد تأريخ الفلسفة بقلم رجل الدين بشكل نسقي, فيرى أن تاريخ الفلسفة يبدأ بفرعون موسى (!!) – وهى بداية جديدة تمامًا خارج صراع الشرق والغرب ! – ويلقبه بإمام المعطلة – وهو تعبير له دلالته فى الثقافة الإسلامية آنذاك- , أنكر كلام الله لموسى لأنه تفلسف , فمات غريقًا , واستتب الأمر لعقيدة موسى حتى مات, فغزت علوم المعطلة بني إسرائيل فسلط الله عليهم من أزال ملكهم[37]، ويسير مع التاريخ حتى يصل إلى نكبات النصارى فى الغرب الإسلامي إذ ظهرت فيه الفلسفة والمنطق, ونكبات التتار لما ظهرت فى المشرق, ونكبات القرامطة والباطنية لما ظهرت فى العراق[38]، والفصل بين منطق النسق ونسق المنطق أدلّ على الانتقاء والتفتيت والتفكك، وعدم الوعي بالصورة.

ويظهر التحريم المطلق للفلسفة كتحريم السحر عند فقهاء متأخرين كالحصكفي (ت1088 هـ)[39], إذ يقيّم العلوم حسب أحكام الشرع الخمسة عدا الحلال والمكروه, بحيث صارت الفلسفة فى حكم المحّرم معطوفٌ عليها الشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر والكهانة.

ب – 2 – (الدفاع ):

الدفاع كذلك موقف لا يعي الصورة ولا المنهج ويستهدف الحقائق والنظريات, وقد انقسم الدفاع فى الإيجاب إلى: التوفيق – التأويل – المماثلة , وينقسم الدفاع فى السلب إلى: التفريقالتبيينالمباينة , إظهارًا للجدل الحضاري, وتكملةً للبنية:

ب – 2 – 1: يحرص التفريق على إبطال مفعول التوفيق بين حقائق الفلسفة وحقائق الدين, ويحاول ابن الصلاح ذلك بعدة طرق, منها التأكيد على معجزات النبي والأولياء من أمته[40], وهى غير واردة لأرسطو وأتباعه, وربما اقترب هذا من الصورة اقترابًا لافتًا مفاجئًا، فالمعجزة منطق لتصديق مقدمات الدين, وبالتالي يتم التحول من الحقيقة إلى الصورة, غير أن ابن الصلاح سرعان ما – ولطالما – يرتد عن ذلك ليعود إلى لهجة التحريم الموضوعي الصارمة التى تذكّر بالحصكفي , ولكن على أية حال يستطيع الفقيه تفريق ما حاول الفليسوف جمعه بهذه الطريق.

كذلك يحرص الدفاع التفريقي على بيان عدم حاجة الشرع أصلًا وإطلاقًا للمنطق[41]، وذلك لغلق الباب حتى فى وجه من يستعمل مصطلحات المنطق فى علوم الشرع.

ب- 2- 2: يقف التبيين فى مقابل التأويل، والتبيين قد يكون تأويلًا جديدًا كما سنرى، ورغم ذلك ثمة فارق بين تأويل الفيلسوف وتأويل الفقيه، فتأويل الفيلسوف تأويل صريح لأنه يعترف بإمكانية التأويل وحق المؤول فيه، وتأويل الفقيه تأويل يتناقض مع رؤية الفقيه للتأويل التي هي نقيض رؤية الفيلسوف. وفى مقابل تأويل الفليسوف (للحكمة) لتصير فلسفة عقلية يعود بها الفقيه ابن قيم الجوزية إلى معناها الأقرب والأظهر وهو وحي الأنبياء, ويذكر الآية التى ذكرها ابن سينا, ومنها يستنتج أن الفلسفة ليست كلها مذمومة لأن معناها (محبة الحكمة), ولكنّ الحكمة الحقة هى ما جاء الرسول بها , ليتحول معنى الحكمة من العقل إلى الوحي[42], ومفهومُ (الحكمة الحقة) تمركُزٌ حول الحقيقة وواحدية لها، يمارس ابن القيم تأويلًا لسيرة الفليسوف أيضًا, فيؤول شخص سقراط ليصير نبيًا مضطهَدًا موحَّدًا بالله، داعيًا أمته إلى الحق، حتى يُعدم لكفر اليونان به وبسبب مخالفته إياهم فى عبادة الأصنام, وليس كما هو فليسوف ناقد حر مستقل[43], ولأن أفلاطون وأرسطو اختلفا معه في الكثير يصير تاريخ الفلسفة من بعده كله كفرًا، التمركز أوضح ها هنا حول الحقيقة بلا أثر للصورة.

ومن قبل ابن القيم كان محمد بن إدريس الشافعي(ت204هـ) قد قام في رسالته بالتأويل ذاته على سبيل التبيين، فأوول الحكمة بالسنة النبوية على التحديد[44].

ب-2–3: تعتمد المباينة على نقض أساس المماثلة, فابن سينا فى إدراكه للصورة, ماثل بين وظيفتي المنطق والنحو, ويحرص السيرافي على العكس, وإن كان بشكل جدلي لدواعي المناظرة التى وقعت (336 هـ), يرى السيرافي[45]، حيث كان ادعاء مناظرِه أبي بشر متى بن يونس (ت338 هـ) أن المنطقي أفضل من النحوي إذ ينشغل بالمعانى الخالدة دون الألفاظ البائدة، والطرفان ينشغلان بالحقائق دون الصور، بل ويمكن بدون إدراك الصورة استبدال النحو بالمنطق كليةً, وأما ربط النحو باللغة العربية والمنطق باليونانية عند السيرافي فهذا هو قمة تغييب الوعي الصوري. (ت368 هـ) أن المنطقي ينشغل بالمعنى واللفظ كليهما، وبالتالي فلا أفضلية له على النحوي

ب- 3- 1: النقد العقلي للوحي:

وهو موقف نقدي يهدف إلى فهم إمكانيات الوحي بوعي صوري, وإحصاء مطالبه, ومدى قدرة الإنسان على الامتثال, والواقع أن ابن القيم يبدي فهمًا غير معتاد لمنطق الصورة, فالاعتصام بالحقيقة (بالنقل) سببه الخوف من الزيادة على المحتمَل كيلا يُثقِل الشرع كاهل المسلم وهو ملزم بالوفاء بما يعقل، فالوحي مُلزِم، والتوسع النسقي والصوري فيه يكلف الإنسان مالاطاقة له به[46].

ب- 3 –2: النقد العقلي للعقل:

يُظهر ابن خلدون (ت 808 هـ) وعيًا صوريًا واضحًا, إذ يشرح فى الفصل الخاص بإبطال الفلسفة فى المقدمة معنى المنطق، فيشرح عملية الاستقراء بالملاحظة, ثم التجريد, ثم التعميم, وتعميم التعميم, حتى الوصول إلى أقصى المجردات, وهى الأجناس العالية[47]، كما يوجه نقدًا استقرائيًا قويًا للمنطق الصوري ليثبت عدم كفايته فى دراسة الطبيعيات، لأن التعميم يصلح فى الذهن فقط، ولا يصلح للواقع الذى هو كلٌّ من أجزاء طبيعية شاخصة[48].

ويظهر نوع النقد نفسه عند ابن تيمية (ت728 هـ)[49]، فهو الذى يرى أن المنطق ليس اختراعًا يونانيًا، فبنو آدم عرفوا التفكير منذ النشأة دون الحاجة إلى منطق أرسطو, بمعنى أن الفكر كقوة شيء, والمنطق كآلة شيء آخر, يستطيع الإنسان أن يفكر حسب درجة علمه وذكائه دون أن يتعلم المنطق, كما أنه يتعلمه لو كان فى مستوى أدنى من العلم والذكاء.

النقدُ صوريٌّ لكنه يرفض نتائج ثقافة الصورة لارتباطه بالحقيقة، وهو تناقضه الواضح، ويظهر في نهاية تحليل التثليث المزدوج أن الجانب النقدي سواء في الإيجاب أم السلب أكثر اتساقًا بالنسبة للإيجاب عنه في السلب، وكان هذا طبيعيًا إذ اعتمد النقد في كل الحالات على إدراك الصورة وتحليلها واختبارها، لكن نتائج ذلك كانت مقبولة فقط في الإيجاب.

* نتائج ختامية: من خلال الخطوات السابقة يصل التحليل إلى النتائج التالية :

1.”الحقيقة والصورة” شكلٌ من أشكال معالجة قضية “الوافد والموروث” باعتبار أن الوافد الأساسي كان المنطق الصوري, وأن الموروث الأساسي كان الوحي الإسلامي.

2.يجد صدام الوافد والموروث أصله في التنافر بين ثقافة الصورة وثقافة الحقيقة، تسمح الأولى بتعدد الحقائق, فى حين تقوم الثانية أساسًا على رفض ذلك فى نطاق معين، فهو إذًا ليس صدام قوميات: عربية ويونانية رومانية هندية فارسية، وليس مجرد صدام بين حقيقة النقل وحقيقة العقل بهذا الشكل المسطح المبسط الساذج، وليس صدامًا بين القديم والجديد بما هما كذلك، ليس صدامًا قوميًا أو دينيًا أو سيكولوجيًا، بل هو صدام حدثَ ويحدث على مستوى بنية العقل المعرفية، النسقية واللا نسقية، المنهجية والمذهبية، الصورية والحقائقية.

3.إن “المعقول الديني” – والذى اعتمد عليه الجابري في “تكوين العقل العربي” – ليس فقط (حقائق ما), ولكنه ثقافة الحقيقة نفسها, والتى أكدت نفسها فى مقولات التفكير والتضليل والحق والباطل, ذلك من دون اعتبار بالمنهج, وقد أدى هذا إلى تحول الإبستمولوجي إلى أكسيولوجي[50].

4.ظهرت ثقافة الصورة المتمحورة حول المنطق الصوري على مستويين: نسق المنطق, ومنطق النسق, يظهر نسق المنطق فى الصورة المنطقية للأقيسة، بقطع النظر عن المحتوى القضوي للمقدمات, فى حين يظهر منطق النسق فى تراتب وأنساق القضايا لتشكل نسقًا، وقد تعارض كلاهما مع ثقافة الحقيقة.

5.اصطدم المنطق بالوحي صدامًا ثلاثيًا ( الهجوم – الدفاع – النقد ) وذلك بين الاستبقاء والاستبعاد, خاض ( الهجوم والدفاع ) معركة جدلية مع الحقيقة, فى حين توجه (النقد) بالوعي الصوري إلى الصورة, وذلك كما تبين فى ظاهرة التثليث المزدوج.

6.تكوّنَ مفهوم الحق في النهاية في الوعي الإسلامي جامعًا للمعنيين الإبستمولوجي Truth والأكسيولوجي Rightالحقيقة لا الصورة، في إطار المذهب لا المنهج، وهو ما أثّر على نظرية العلم في العلوم الدينية لتأثيره على بنية العقل الإسلامي ذاتها[51]، وصار يُستعمل للدلالة على المعتقَد الرسمي أو الغالب أو المفروض أو المفترَض، وجميعِ نتائجه القيمية في السياسة والقانون والأخلاق، دون أن يتأسس على تنظير ونقد الخطى المنهجية والقوى المعرفية وآليات عملها وحدودها، وهو فارق عميق الغور قاطع الحافّة بين الفلسفة الإسلامية والوسيطة عمومًا من جهة، والفلسفة اليونانية في ذروة منحناها(أرسطو-المنطق الصوري)والفلسفة الغربية الحديثة في قمة صعودها(كانط-الفلسفة النقدية)من جهة أخرى. في إطار ثقافة

الفصل الثاني

نَسَقُ المنطق

قام ابن سينا بعرض المنطق الصوري بشكلٍ نسقي فى خمسة مؤلفات: أقسام المنطق فى كل من الشفاء والنجاة والإشارات والتنبيهات, بالإضافة إلى منطق المشرقيين والقصيدة المزدوجة فى المنطق.

وسيتم تحليل نسق المنطق عند ابن سينا بناءً على الأساسيات المستنبَطة فى التمهيد السابق، ويظهر هنا السؤال: كيف ينحو ابن سينا نحو إنماء الوعي الصوري التقدمي-بوصفه فيلسوفًا ومنطيقًاعن طريق العرض النسقي للمنطق؟ وتطلبت الإجابة تحليل الأجزاء الأساسية فى ذلك النسق: الحدود، والقضايا، والبرهان, والنتائج, وذلك فى ضوء الفروض السابقة.

يتعلق الحد بالكلمة فى مستويات حياتها المختلفة، حيث تحيا وحدها يكون الحد معجميًا Lexical, وحين تحيا فى سياق يكون الحد سياقيًاContextual ، وعندها يصير المعنى اصطلاحيًا Conventional أو يكون محكومًا بآليات الاستعمال Pragmatics.

ويتحول الحد إلى وحدة بناء القضية إذا أُضيف إلى حدود آخرى وروابط، والقضية هى الوحدة الأساسية للمعنى، وهي أنواع عدة, لم يُفد أرسطو إلا الحملية منها, وأفاد فلاسفة الإسلام الشرطية.

وتنتظم القضايا فى صورة منطقية كاملة أو ناقصة، ليحصل للعقل شكل القياس، إما الجدلي أو الخطابي أو البرهاني أو المغالطي أو الشِعري, وهو أساس الوعي الصوري, مثلما القضية أساس المعنى، أي أساس الوعي بـالحقيقة.

فإذا ترتبتْ النتائج وترابطت فى صورة أعم، فإنها قد تصل بالوعي الصوري إلى حد الحقائق، وتتحول الصورة إلى حقيقة، أي تتحول قوانين الفكر الأساسية إلى قوانين للوجود طِبقًا للأنسقة، فيصل العقل إلى الميتافيزيقا النسقية, أو: الفلسفة الأولى، وهو ما ينتقل بالتحليل إلى الفصل الثالث, وهو التصور العكسي الهابط من نسق المنطق إلى منطق النسق.


1- الحدود :-

تبدأ رسالة الحدود لابن سينا بذكر سبب تأليفه إياها [52], ثم يستعين بالله “واهب العقل” فى نزعة إشراقية واضحة[53].

ويذكر ابن سينا أن فائدة التحديد للمنطقى هى الدلالة على ماهية الشيء، فلا يخرج عن الحد شيء من صفاته بالفعل أو بالقوة[54]، ويذكر أمثلة للحدود الباطلة والصحيحة، وعن طريق الحد ترتسم فى النفس صورة الشيء, أي يتحول المحسوس إلى معقول[55].

اهتمامُ المنطقيِّ بالحد اهتمامٌ له ما يبرره فى إطار ثقافة الصورة، إذ إن تحديد حد الشيء عن طريق التواضع يهبط باللغة من مستوى التوقيف إلى مستوى الاصطلاح، وواضحٌ كيف اعتمد جزء من تاريخ الإلحاد الإسلامي على إنكار التوقيف, إما لأسباب سياسة خلقها (التعصب المضاد) ضد العرب وضد نظرتهم المقدسة للغتهم لغة القرآن، أو لإنكار الإعجاز البياني القرآني، كما هو الحال لدى ابن الراوندي مثلًا[56]، وهو يخدم ثقافة الصورة إذ يفتح المجال لتعدد الحق, وصناعةالحقيقة.

يضع التحديد النواة الأساسية لثقافة صورية، هى أقرب إلى الرياضيات فى تأويلاتها خاصةً عند بعض التحليليين المعاصرين كرسّلB.Russell (1872 – 1970 ) م وفتجنشتينWittgenstein (1889 – 1951 ) م , حيث صارت الرياضيات منظومة صورية بحتة، تنحل فى النهاية إلى تعريفات واصطلاحات لغوية غير إسقاطية[57]، مما يرسل المجال لنزعة اصطلاحية Conventionalism .

تتكون رسالة الحدود من قسمين رئيسيين: مقدمة يشرح فيها المؤلف مناسبة التأليف وشروط الحد الصحيح، وفائدة الحد للمنطق، ثم معجم اصطلاحي لاثنين وسبعين مصطلحًا[58], وفائدة تتبع أجزاء الرسالة الوقوف على منطق نظمها دون ترتيب أبجدي أو موضوعي، وليس مِن منطق سوى معتقد نظري إشراقي جعل ابن سينا يبدأ بالله ثم العقل ثم النفس، وهى الثلاثية الأفلوطينية الشهيرة: الواحد To Proton، والعقل الكلي Nous، والنفس الكليةPsyche , ثم تسلسل الفيض Fluxus عن طريق الصدور Emanation فيما يمزج بين ميتافيزيقا وفيزيقا أرسطو وأفلوطين: الصورة ثم الهيولى ( وهى ثنائية أرسطية )، ثم الموضوع والمادة، ثم العنصر والأسطقس، هبوطًا من الواحد حتى العالم الطبيعى المتكثّر.

وإلى جوار الثلاثيات الأفلوطينية، وثنائية ( الصورة والهيولى )، تنتظم ثنائيات أخرى أرسطية مثل ( الجوهر والعرض )، ورباعيات طبيعية يونانية ( النار – الهواء – الماء – الأرض )، و ( الحرارة – البرودة – الرطوبة – اليبوسة )، مما يوضح أن أساس الترتيب نظري سواء تعلق بنظريات يونانية ( كما فى السابق )، أو إسلامية: (مثل: الجن – النار).

وعلاقة الحدود بالمنطق واضحة فى الموسوعات الثلاث والتى تبدأ بقسمة المعرفة إلى تصور وتصديق، والحد مسئول عن التصور, وتنعكس العلاقة فيما بعد، فيصير من منفعة المنطق معرفة الحد الصحيح, وكذلك فى منطق المشرقيين[59].

2- القضايا :-

القضية وحدة المعنى، وبالتالي نواة ثقافة الحقيقة، والمنطقي لا يتوقف عندها ويحذر من ذلك، ويستطيع تخطيها بما يسبقها (الحد) وما يليها (البرهان)، فعن طريق الحد الاصطلاحي تكون القضية نتيجة طواطؤ واتفاق بشري تاريخي ضد أبدية المعاني، وعن طريق انتخاب البرهان كشكل كامل من أشكال القياس يحدث الانتقال: من المعنى المحدد للقضية إلى النسق ككل، والذى لا تَصْدق القضية فيه ما لم تكن متسقة مع غيرها، حتى ولو كانت مستقرأة، فالاستقراء يحدث من وجهة نظر معينة ونسبية ومحدودة.

ويذكر ابن سينا نوعين للقضية: حملية وشرطية، وتنقسم الشرطية إلى متصلة ومنفصلة، والقضية بعامة قول يصلح لأن يوصف بالصدق أو بالكذب، أي تعبير خبري لا إنشائي[60]، والقضية محدودة كمًا (الكل والجزء) وكيفًا (الإيجاب والسلب)[61]، وهى بهذا جملة محددة صوريًا.

يخرج التحديد الصوري بالقضية من اللغة العادية Ordinary إلى اللغة الاصطناعية أو الصورية، ويتضافر مع الاصطلاح فى الحد لصناعة الحقيقة، وتختلف الاصطناعية عن العادية في أن الإنسان قد ينطق (كل كذا…) وهو يقصد (مُعظمه) مثلًا، وهو ما يجعل المعنى يتحدد صوريًا (حسب النظرية الصورية المعاصرة فى فلسفة اللغة) دون أن يتحدد في الاستعمال (حسب نظريات الاستعمال).وهذا يخرج بالخطاب أيضًا من خطاب الحس المشترك Common Senseالذى يخاطبه الوحي إلى الخطاب الصوري الاصطلاحي الذى تخاطبه ثقافة الصورة.

3- البرهان :-

عندما تنتظم القضايا فى البرهان تصل الصورية إلى أرقى مراحلها، وتكون على مستوى المنافسة المناسب لتحدي ثقافة الحقيقة و- ربما – لهزيمتها، آية ذلك أن معارضي ثقافة الحقيقة اتخذوا حجتهم الأساسية من قدرة العقل على البرهنةالحقائق عن الميتافيزيقا والنفس والأخلاق والطبيعة. واستنباط

والبرهان شكل من أشكال القياس، ويقارن الفلاسفة بين أشكال القياس لإثبات أصالة البرهان وتفوقه على ما سواه، فهو يعتمد على مقدمات يقينية عكس الجدل المعتمد على المقدمات الظنية، وهو يسلك طريق الإقناع العقلي دون أن يؤثر على العواطف كالمنهج الخطابي، وهو يعتمد على الوقائع عكس القياس الشعري المعتمد على المخيّلة، وهو أخيرًا يمتاز بخلوه من المغالطات المنطقية المعروفة فى المنطق الصوري، عكس القياس السفسطيقي أو المغالطي[62].

وأهم النتائج هى زعزعة الأسس المنهجية لخطاب المتكلمين ومنهم أعداء الفلاسفة الأساسيين، هكذا كانت المعركة المنهجية بين طوائف المجتمع الإسلامي، اعتمد بعضها على المنهج البرهاني كالفلاسفة، واعتمد آخرون على الجدلالخطابة كعامة رجال الدين والخطباء، واعتمد سواهم على المخلية والبيان وفصاحة اللفظ كالشعراء، وكان لابد للفيلسوف أن يثبت جدراته أمامهم، وأمام الباطل ( السفسطة )، من أجل صناعة الحق[63]. كالمتكلمين، واعتمد غيرهم على

ومن نتائج المنهج البرهاني نقد بعض المسلمات الدينية كالمعجزة والبعث والعلم الإلهي المطلق بوصفها أساطير لا تتسق مع الشواهد، ولا تظهر فى نهاية أي قياس منطقي برهاني، وذلك كما عند محمد بن زكريا الرازي[64]، كذلك نفي العلم بالجزيئات عند الفلاسفة كالفارابي وابن سينا، وهو نفي نسقي إذ لايتسق العلم بالجزيئات الحادثة مع طبيعة العقل الإلهي القديم.

كذلك ظهر نقد النبوة تمسكًا بالبرهان، كما عند ابن الراوندي[65]، حسب منطق الحسن والقبح العقليين، والذى يلغي الحاجة إلى اتباع الأنبياء، وحسب تناقض منطق الاصطفاء الإلهي لبعض البشر وهدايتهم دون البعض الآخر.

ليس البرهان وجهًا إيجابيًا فحسب، الوجه السلبى يظهر فى الشك، والشك نوعان: أفقي ورأسي، أفقى أي الشك فى المستقبل الذى يمكنه أن يقع فى حدود العقل البشري، غير أنه لم يقع بعد، وهي صعوبة زمانية، ورأسي أي الشك فى الغيبيات التى لا تقع إطلاقًا فى حدود المعرفة الإنسانية، وهي إستحالة معرفية، فالبرهان إذ يسير قدمًا نحو اليقين، يختبر قدرات العقل الإبستمولوجية فى كل خطوة، وقد تعرض أرسطو نفسه لنوع من الشك السابق[66].

4- النتائج (الحقيقة) :

رغم أن البرهان هو أعلى مستويات ثقافة الصورة، إلا أن (الحقيقة) هى أخطر نتائج هذه الثقافة فى القفزة من الصورة إلى الحقيقة، وهذا هو السبب نفسه فى كونها بعيدة نوعًا عن الثقافة الصورية إذا ما قورنت بالبرهان.

تعتمد هذه المرحلة على تحول قوانين الفكر الأساسية إلى حقائق مجردة كلية قادرة على تفسير الوجود بما هو وجود (ميتافيزيقا)، أي إنها مرحلة التحول من الإبستمولوجيا إلى الأنطولوجيا، والانتقال إلى هذه المرحلة انتقال طبيعي ومنطقي لا شذوذ فيه، وهو يتم حرصًا على النسقية بحيث تصير قوانين كونية، ويصير المعقول واقعيًا، والواقعي معقولًا.

هذه هى أيضًا المرحلة التى تمثل نقطة ضعف الثقافة الصورية، إلى جانب أنها كذلك نقطة قوتها، وذلك من منظورين مختلفين:

نقطة قوة إذا نظرنا لها باعتبارها قدرة مبدعة على خلق العالم فى التصور، وتفجير معالم رؤية جديدة للكون، وفتح مساحات لا قِبل للوعي السابق بها على كل المستويات، وكل رؤية شاملة جديدة بداية حضارة جديدة.

ونقطة ضعف لأن الهجوم على الفلاسفة غالبًا ما يتم من هذا المدخل (الهجوم والدفاع) فى سلب المنطق فى الفصل السابق، هو جعْل (حقائق بعينها) فى مركز الإبصار، دون اعتبار بالمنهج، أي دون وعي صوري، وكثيرًا ما تكون الحقائق فى هذه المرحلة متناقضة أو متضادة مع الحقائق المقدسة.لكن تفصيل هذه المرحلة سوف يلي فى الفصل القادم، فهذه هي نقطة الوصل والفصل بين الفصلين، بين نسق المنطق ومنطق النسق.

الفصل الثالث

منطقُ النسق

ظهر النسق كنتيجة طبيعية لثقافة الصورة، الاهتمام بالصورة يصنع أنساقًا فكرية ومعرفية، والاهتمام بالحقائق فقط يصنع تراكمًا أفقيًا مبعثرًا، ومعلوماتية، ومرجعية نقلية للمحتوى المعرفي، والنسق بدوره يصطدم مع المعارف اللا نسقية مرتين:

إحداهما تمثل صدامًا صوريًا هو صدام النسق واللا نسق، الفهم والتعقل والاقتناع وتتبع القضايا فى سلسالها المنطقي ولزومها الصوري عن بعضها البعض، فى مقابل الإيمان والتصديق، وقد نشأ قدر كبير من صراع العقل والنقل من هذا الأساس، وكذلك جزء يُعتد به من صدام الوافد والموروث.

والأخرى تمثل صدامًا حقائقيًا هو صدام الحقيقة والحقيقة المضادة، والصدام على هذا المستوى له جانبان إيجابي وسلبي:

فأما الإيجابي فهو حقائق بعينها تصدر عن منطق النسق ذاته، حين تتحول القوانين المجردة الحاكمة لمنطق النسق عمومًا إلى قوانين ميتافيزيقية حاكمة للكون بعامة، وهى النقطة التى انتهى عندها الفصل السابق.

وأما السلبي فهو استبعاد حقائق أخرى بعينها لكونها خارجة عن النسق، أي استبعاد صاحب ثقافة الصورة لحقائق معينة لكونها متناقضة مع غيرها في النسق، وهو ما يُحدث صدامًا مع أصحاب الحقائق المستبعَدة، وعلى كل فالصدام على مستوى الحقيقة صدام تقليدي بين قضية ونقيضتها، وهو يمثل نقطة ضعف ثقافة الصورة كما سلف فى الفصل السابق، وإنْ كانت نقطة لا يمكن تلافيها.

ورغم أن الصدام الصوري (صدام النسق واللا نسق المجردين) من الموضوعات الأساسية لهذا الفصل، إلا إنه تم تهميشه لحساب الصدام على مستوى الحقائق، إذ تم طرح الصدام الصوري فى الفصل الأول على هيئة التثليث المزدوَج لإيجاب وسلب المنطق الصوري في الحضارة الإسلامية، كما أنه لا يوجد بمعزل عن الصدام على مستوى الحقيقة، وفوق ذلك فإن معظم الصدام حدث على هذا المستوى الأخير فعلًا لنقص الوعي الصوري أصلًا.

لذا يقتصر القول على فقرات ثلاث : تتحدث الأولى عن تجسد النسق، أي تحوله إلى حقائق من خلال تعميم قوانينه بما هو نسق على الوجود بما هو وجود، وتتحدث الثانية عن الأنسقة Systematization حين تُستبعد الحقائق الشاذة عن النسق، وتمثل الأولى الوجه الإيجابى سابق الذكر من الصدام، بينما تمثل الثانية الوجه السلبى، فى حين تتحدث الثالثة عن منطق النسق عند ابن سينا فى المنطق بما يتضمن قسمة العلوم ومراتب التعقل وأقسام علم المنطق… إلخ.

1- تجسُّدُ النسق :

هى مرحلة التحول من الإبستمولوجي إلى الأنطولوجي، وتنشأ الميتافيزيقا النسقية من تعميم قوانين الفكر على الوجود، وقد أقر أرسطو نفسه بذلك، فلم تكن ميتافيزيقاه إلا تجسيدًا للمنطق الصوري وتحولًا من الصورة إلى الحقيقة، لذا عكست الميتافيزيقا عنده القوانين الأولى الثلاثة للفكر: الهوية، وعدم التناقض، والثالث المرفوع[67]، وهى صميم علاقة الفكر والوجود، كذلك عكس المنطق الجدلي الهيجلي الميتافيزيقا الهيجلية إلى حد صعوبة التمييز بينهما.

كذلك تكُون للنسق قوانين عامة تشكل فى اجتماعها “منطق النسق“، وتترابط هذه القوانين وتنتج بعضها عن بعض مثلما تترابط قوانين الفكر الثلاثة التى تنشأ كلها من قانون الهوية، وللنسق قوانين ثلاثة أيضًا:

أولًا: الصدورEmanation، وهو صدور القضايا بعضها عن بعض، وعن طريق التعليل يمكن الرجوع إلى قضية أصلية مبدئية، قد تكون مستقرأة، وقد تكون مفترَضة افتراضًا، لكنها – على أية حال – واحدة، وكان من الطبيعى لذلك أن يعتقد ابن سينا فى الفيض تطرفًا فى الأنسقة، بحيث تصدر الكثرة تدريجيًا عن الواحد، وتصدر قضية وجود الكل عن قضية وجود الواحد، وقد بدت له قضية (أو فرضية) الفيض أكثر نسقية، تتحقق فيها وحدة عضوية تتفوق بها على نظريات الحدوث التقليدية(الخَلق من عدم).

وثانيًا: التراتبHierarchy، وهو التسلسل الهرمي الرأسي للقضايا والموجودات، وذلك حسب مبادئ العلية التى تصدر بها الموجودات بعضها عن بعض بالتوالي، والعلية أنواع ثلاثة: قبلية: أي قبل حدوث الفعل، وهى العلة الفاعلة أو السببية الطبيعية، وبَعدية: أي تحدث بناءً على الفعل وبعده، ويكون الفعل قبلها وسيلة لها، وهى العلة الغائية أو السببية الأخلاقية، وفى علاقة معية Synchronism بفعلها: وهي العلتان المادية والصورية، أو وجود الشيء ذاته، وتتوزع العلل على نظريات الفلسفة الثلاث، بحيث تكون القبلية علة إبستمولوجية يتعقلها العقل النظري فى مجال الحتمية الطبيعية، وتكون البَعدية علة أكسيولوجية يتعقلها العقل العملي فى مجال الحرية النفسية، وتصير علة المعية علة أنطولوجية، وهكذا تترتب القضايا في تسلسل هرمي رأسي عكس شكل ترتيب القضايا في ثقافة الحقيقة الأفقية، حيث تنعدم السببية في كثير من الحالات بين القضايا، ويتم الربط بين القضايا على التوازي وليس على التوالي[68].

وثالثًا : اللزومImplication، وهو علاقة الضرورة فى الصدور، بحيث تلزم كل قضية عن قضية قبلها بالضرورة، وكان هذا أدعى بالطبع إلى الاعتقاد فى غائية الطبيعة، والقسمة الخلقية للعلوم عند ابن سينا بوصف بعض العلوم أشرف من البعض الآخر، وأَدْعى كذلك للاعتقاد فى قدم العالم طبقًا لمبدإ اللزوم حيث لا شيء يأتي من لا شيء Nothing Comes From Nothingness، ومن المعروف قول ابن سينا بقدم العالم وكيف تحول ذلك إلى نقطة ضعف في الثقافة الصورية حين تحولت الصور إلى حقائق، وكيف اتخذ أنصار ثقافة الحقيقة موقع المهاجِم بصدد هذه النقطة بعينها[69]، إذ إن التكفير كشكل من أشكال الاستبعاد أو الاغتيال السياسي أو الرقابة العنيفة اعتمد لديهم على رفض حقائق بعينها[70]، فكما أسلفنا كان القبول أو الرفض الأيديولوجيان يعتمدان لديهم على المذهب لا المنهج، وعلى الأول لا الثاني أسسوا دائرة العلوم الإسلامية.

وعن قوانين النسق الأولية الثلاثة(الصدور – التراتب – اللزوم)، والتى تجسدت عند ابن سينا فى الفيض وقسمة العلوم والمتعلمين وقوى العقل ثم الاعتقاد الغائي فى الطبيعة وقدم العالم، قامت نظريات سينوية على مستوى الحقائق، واصطدمت بحقائق أخرى، بعضها حقائق الوحي.

2- الأنسقة وبتر الزوائد العقدية :

هذا هو الوجه السلبي فى صدام النسق واللا نسق، فنظرًا للطابع اللا نسقي للوحي، سواءً تبدّى ذلك في جمع القرآن أم فى جمع الأحاديث والفتاوَى والأحاديث القدسية وغيرها من مصادر الشرع، تضمن الشرع لذلك الكثيرَ من النظريات غير المتسقة مع غيرها، أو التي لا لزوم لها (أي غير لازمة عما سبقها)، وذلك مثلما تثار قضية كالشفاعة بناءً على لا جدوى شفاعة الرسول فى إنسان يعاقَب على جرمٍ ارتكبَه على مسئوليته وتم الفصل فى أمره بعدالة الله ذاته، ولا جدوى عذاب القبر مادام العذاب الأخروي قائمًا، وتناقُض التقدير المسبق Predestination للأفعال مع حرية الإرادة والعدالة الربانية والمسئولية الخلقية، وتناقُض حدوث العالم مع أزلية الإرادة الإلهية، وتناقُض علم الله بالجزئيات مع أزلية علمه، ومن المعروف كيف تورطَ ابن سينا فى القضيتين الأخيرتين علاوة على مسألة بعث النفوس دون الأجساد.

3-منطقُ نسقِ المنطق :

اعتمد نسق المنطق السينوي على قوانين النسق العامة السالفة، ويظهر ذلك فى قسمة العلوم فى منطق المشرقيين إلى مؤقت وأبدي، وأصول وفروع، وعلم وآلة علم، ونظري وعملي، ثم الطبيعيات والرياضيات والإلهيات والكليات، بالإضافة إلى الأخلاق وتدبير المنزل وتدبير المدينة، ومنطق الصدور ملحوظ فى ترتيب العلوم النظرية الأربعة (الطبيعيات والرياضيات والإلهيات والكليات) من أسفل إلى أعلى، ومن المادة إلى الصورة، ومن الجزء إلى الكل، ومن الكثرة إلى الواحد، فالطبيعيات أمور مخالطة للمادة ويعد فصلها عنها من خطإ الذهن، أما الرياضيات فهى تدرس الأمور المخالطة لها ولكنْ التى يجوز لها الفصل، ثم الإلهيات التى تدرس الأمور المجردة، ثم الكليات وهى كليات ذهنية كالوحدة والكثرة، والكلي والجزئي، والعلة والمعلول[71]، وهى أقرب إلى المقولات Categories، ويظهر الصدور كذلك فى الانتقال من الأخلاق الفردية إلى تدبير المنزل (الأخلاق فى إطار الأسرة) إلى تدبير المدينة (الأخلاق فى إطار الدولة ككل، أي: السياسة).

وربما اعتمدتْ قسمة المتعلمين على ذات المقولة، حيث قسم ابن سينا قُرّاءَه إلى علماء (كابن سينا نفسه) وعامة (من مزاولي الشأن)[72]، ليكون هذا أساسًا من أسس الأرستقراطية الثقافية والطبقية العلمية فى ذلك العصر.

واستطاع ابن سينا عن طريق قوانين النسق الدمج بين أرسطو وشراحه ونظريات المتصوفة فى المعرفة، حيث تدرج العقل لديه فى مراتب أربع: أولها العقل الهيولاني، وهو عقل بالقوة، كعقل الطفل الذى لم يتعلم القراءة بعد، وفيه الاستعداد، وثانيها العقل بالملَكة، وهو عقل فيه الظن والأمل لكن ليس فيه العلم الحقيقى، وهو كعقل الطفل إذا تعلم القراءة، وثالثهاوأخيرًا العقل التام، وهو الذى تكون له القراءة عملًا دائمًا وملَكة باقية يرجع إليها حين الحاجة[73]. العقل العامل، وهو العقل الذى يسلك طريق البرهان، كعقل الطفل عندما يتقن القراءة،

ويحكم نسق المنطق السينوي الترتيب التقليدي من الحد إلى البرهان مرورًا بالاستطرادات والتفصيلات المعتادة، ومثال ذلك القصيدة المزدوجة، ويبدو فيها منطق النسق صارمًا وواضحًا، تبدأ بالحمد والصلاة على الرسول، ثم تعرض لمختصر نظرية الفيض (الله – العقل – النفس – العالم المادى) بالترتيب نفسه، ثم غرض المنطق ومنفعته، ومناسبة التأليف، ثم البدء بالحد، والألفاظ الخمسة، والمقولات العشر، ثم القضايا، والنقيض، ثم العكس، والقياس وأنواعه، الشرطي والحملي، الاستقرائي والتمثيلي، ومواد المقدمات، حتى نصل قرب النهاية إلى البرهان، أعلى درجات النسق، وهدف النسق ذاته[74].

وتترتب الحدود فى القضايا، وتترتب القضايا فى الأقيسة، وتترتب الأقيسة حتى تصل إلى البرهان، وهو موضوع الفصل السابق، فيصل التحليل فى النهاية إلى اكتمال الدائرة كاملة الاستدارة.


خاتمة البحث

قام البحث بالخطوات الثلاث التالية :

1. طرح فكرة ثنائية ( الحقيقة والصورة ) كشكل لمعالجة قضية الوافد والموروث، واختبار مدى اتساق هذا الشكل مع منطق الصدام، ومدى طاقته الشارحة، ومدى جدته، ومدى قدرته على إلهام باحث قادم سواءً عن طريق ثنائية الحقيقة والصورة، أم ثنائية نسق المنطق ومنطق النسق.

2. تحليل نسقِ المنطق السينوي، وطرح قضية اللغة الاصطلاحية وردّ العالَم إلى اللغة بصدد الحدود، وطرح قضية اللغة الاصطناعية والتحول عن الحس المشترك فى الخطاب بصدد القضايا، وطرح مسألة الصراع المنهجي الأيديولوجي والشك المنهجى الإبستمولوجي بالنسبة للبرهان، ومسألة صدام الحقائق بين ثقافة الصورة وثقافة الحقيقة بالنسبة للنتائج، وهو تطبيق أول لثنائية الحقيقة والصورة على المنطق.

3. تحليل منطق النسق عمومًا، ومنطق النسق عند ابن سينا خصوصًا، لاكتشاف أهم الآليات الحاكمة لتكوين النسق، وأثَر ذلك على الميتافيزيقا، وصدام الحقائق الميتافيزيقية عندما تتحول الصورة إلى حقيقة، فى مقابل تحليل الصورة بما هى صورة فى الخطوة السابقة، وهو تطبيق ثانٍ لثنائية الحقيقة والصورة على النسق.


قائمة المصادر والمراجع

أولًا: المصادر:

أ‌-     مصادر ابن سينا ( أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا ):

1. الإشارات والتنبيهات، شرح نصير الدين الطوسي، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف بمصر، دون رقم الطبعة، 1960 م.

2. رسالة الحدود، نشرة عبد الأمير الأعسم، المصطلح الفلسفي عند العرب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 1989 م.

3. الشفاء، تصدير طه حسين، مراجعة ابراهيم مدكور، تحقيق الأب قنواتي ومحمود الخضيري وفؤاد الأهواني، وزارة المعارف العمومية، القاهرة، دون رقم الطبعة، 1953 م.

4.القصيدة المزدوجة، فى منطق المشرقيين.

5.منطق المشرقيين، المكتبة السلفية، القاهرة، دون رقم الطبعة، 1910 م 6
.النجاة، مطبعة دار السعادة، بجوار محافظة مصر، 1331 هـ. 6

ب‌- مصادر أخرى:

  1. 1. المصادر الاجنبية:

– Aristotle : Metaphysics , in The Works of Aristotle , loeb Ed. Harvard university press , London , 2nd Ed. , 1956.

  1. 2. المصادر العربية :

1. أرسطو.كتاب العبارة.تحقيق عبد الرحمن بدوي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، دون رقم الطبعة، 1948 م.

2. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم.الردُّ على المنطقيين، المسمَّى أيضًا نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان.تحقيق الشيخ عبد الصمد شرف الدين المكتبي، راجعه وأعده لهذه الطبعة: محمد طلحة بلال منيار، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 2005 م.

3. ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد.الإحكام في أصول الأحكام.تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، وتقديم الأستاذ الدكتور إحسان عباس، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، دون رقم الطبعة، د.ت.

4. ابن خلدون، عبد الرحمن.المقدمة.ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس الأستاذ خليل شحادة، وراجعه الدكتور سهيل ذكار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، دون رقم الطبعة، 2001 م.

5. الشاطبي، أبو إسحق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي.الموافقات في أصول الشريعة.شرحه وخرج أحاديثه فضيلة الشيخ عبد الله دراز، ووضع تراجمه الأستاذ محمد عبد الله دراز، وخرج آياته وفهرس موضوعاته عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1991 م.

6. الشافعي، محمد بن إدريس.الرسالة.دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، دون رقم الطبعة، د.ت.

7. الجوزية، ابن قيم.إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان.المكتبة الثقافية، بيروت، دون رقم الطبعة، 1983 م.

8. الجوزية، ابن القيم.مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة.دار الكتب العلمية، بيروت، دون رقم الطبعة، 1998 م.

9. الغزالي، أبو حامد.تهافت الفلاسفة.دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1،       2000 م.

10. الغزالي، أبو حامد.المستصفي في علم الأصول.دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2000 م.

11. الغزالي، أبو حامد.المنقذ من الضلال.دار المعارف، القاهرة، دون رقم الطبعة، 1955 م.

ثانيًا: المراجع:

  1. أدونيس.الثابت والمتحول.دار الساقي، دون بيانات أخرى.
  2. بدوي، عبد الرحمن.من تاريخ الإلحاد في الإسلام.سينا للنشر، القاهرة، ط2، 1993 م.

3. الجابري، محمد عابد.تكوين العقل العربي.المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، أيلول 1991 م.

4. الجابري، محمد عابد.نحن والتراث.المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، أيلول 1991 م.

5. حنفي، حسن.من النقل إلى الإبداع.م3، ج2، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، دون رقم الطبعة، 2001.

6. حنفي حسن.هموم الفكر والوطن.ج1، دار قباء، ط2، 1998.

7. عبد الرازق، مصطفى.تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية.مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط3، 1386 هـ، 1966 م.

8. عبد الغني، مصطفى لبيب.دراسات فى تاريخ العلوم عند العرب.دار الثقافة، القاهرة، ط3، 2002 م.
منطق العرب من وجهة نظر المنطق الحديث.دار الطليعة، بيروت، ط3، 1993 م. 9. فاخوري، عادل.

10. هويدي، يحيى.ما هو المنطق؟.مكتبة النهضة المصرية، ط1، 1966 م.

ثالثًا: المعاجم:

  1. المعجم الفلسفي، جميل صليبا، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، ط1، 1971م.
  2. المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، دون رقم الطبعة، 1983م.

الهوامش

[1] – يسمى هذا الأسلوب في النقد الأدبي للدراما فعلًا بالإرهاص أو الغرْس أو الاستنباط

(2) مثلًا: أبو علي بن سينا: منطق المشرقيين (المكتبة السلفية، مطبعة المؤيد، القاهرة، 1910م)، المقدمة عن سيرة حياته نقلًا عن ابن أبي أصيبعة وابن خلكان والقفطي ودائرة المعارف البريطانية، ص أ: ص يب.

[3] -انظر المعجم الفلسفي لجميل صليبا(دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، ط1، 1971 م) مادة(بنية)، والمعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية (الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، دون رقم الطبعة، 1983 م) مادة(بنيان)

[4] -انظر المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية، مادة(صورة)

[5] -مثل معاجة أدونيس (الثابت والمتحول)، في مقابل كل من البنية الثلاثية عند حسن حنفي (النقل والتحول والإبداع) في: من النقل إلى الإبداع، والبنية الأُحادية عند محمد عابد الجابري (العقل العربي) في: نقد العقل العربي.

[6] -”تكتسب جدلية المعقول واللامعقول في الخطاب القرآني صورة الصراع بين “التوحيد” و”الشرك”… ذلك لأنه لما كان الشرك… ينطوي في ذاته على تناقض لا يقبله “العقل” إذ {لو كان فيها آلهةٌ إلا الله لفسدتا}(الأنبياء-22) فان نقيض الشرك، أي: التوحيد، هو وحده المقبول. ومن هنا يقدم القرآنكفاح الأنبياء والرسل على أنه كفاح منأجل نشر خطاب “العقل” وترجيحه” محمد عابد الجابري: تكوين العقل العربي (المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، أيلول 1991 م)، ص 136.

[7] -”ذلك لأن الفلسفة في المجتمع الإسلامي لم تكن مجرد متعة فكرية… بل كانت… مظهرًا من مظاهر الصراع الأيديولوجي المظهر الأقوى الذى يعكس… الصراعات السياسية والاجتماعية والعرقية داخل هذا المجتمع” محمد عابد الجابري: نحن والتراث (المركز الثقافي العربي، بيروت، ط6، 1993م) ص 147، كما يرى الجابري أن حركة الترجمة لم تكن بريئة، بل حركة أيديولوجية ليبرالية، وأن المعتزلة كانوا أيديولوجيي الدولة آنذاك – المرجع السابق، الموضع نفسه.

[8] -”…صح أن الاختلاف لا يجب أن يُراعَى أصلًا، وقد غلط قوم وقالوا: الاختلاف رحمة، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. قال أبو محمد: وهذا من أفسد قول يكون“ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام، حققه الشيخ أحمد محمد شاكر، وقدم له الأستاذ الدكتور إحسان عباس (دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، دون رقم الطبعة، د.ت)ج5، ص64.

[9]وإيجاب حد الشرب إذ به حفظ العقول” أبو حامد الغزالي: المستصفي في علم الأصول، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ، ط1 ، 2000م، ص174 .

[10] -”والحدّ-للعقل“الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، مج1 ،ج 2، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1991م، ص 8 .

[11] -”وأخبر بعض من كان قد قرأه وعنيَ به (أي: المنطق) أنه لم يزل متعجبًا من فساد أصوله وقواعده، ومباينتها لصريح المعقول، وتضمنها لدعاوى محضة غير مدلول عليها، وتفريقه بين متساويين، وجمعه بين مختلفين” ابن قيم الجوزية: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة. نقلًا عن مصطفى عبد الرازق: تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية (مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة، ط3، 1386هـ،1966م)،ص90.

[12] -”وليس عند الفلاسفة (لدى ابن تيمية) برهان على علومهم الفلسفية… والمتواتر عن الأنبياء أعظم من المتواتر عن الفلاسفة مما جعل الفلاسفةأجهل خلق الله برب العالمين” حسن حنفي: من النقل إلى الإبداع، م3، ج2 (دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، دون رقم الطبعة، 2001م) ص196.

[13] -باوْل كرَوْس: نقلًا عن وترجمة عبد الرحمن بدوي: من تاريخ الإلحاد في الإسلام(سينا للنشر، القاهرة، ط2، 1993 م)ص91، غير أنه من المعروف أنه عاش في القرن الثالث الهجري.

[14]إن الرسول أتى بما كان منافيًا للعقول مثل الصلاة وغسل الجنابة، ورمي الحجارة، والطواف بالبيت الذى لايسمع ولا يبصر، والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران، وهذا كله مما لايقتضيه عقل“.ابن الراوندي: نقلًا عن المجالس المؤيدية للمؤيّد في الدين الشيرازي الإسماعيلي، نقلًا عن أدونيس: الثابت والمتحول، ج2 (دار الساقي، دون بيانات أخرى) ص77.

[15] – السابق، الموضع نفسه.

[16] -”ولما وصف (أى النبي) الجنة، قال فيها: أنها من لبن لم يتغير طعمه (15:47) وهوالحليب، ولا يكاد يشتهيه إلا الجائع، وذكر العسل، ولا يطلب صرفًا، والزنجبيل، وليس من لذيذ الأشربة، والسندس، يُفرش ولا يُلبس، وكذلك الإستبرق الغليظ (53:44) من الديباج… ومن تخيل أنه في الجنة يلبس هذا الغليظ ويشرب الحليب والزنجبيل، صار كعروس الأكراد والبنط” السابق ص80.

[17] -”ويوضح باب بَرْزَوَيْه في كليلة ودمنة أن الأديان كثيرة، وأن أصحاب كل دين يزعمون أنهم على الحق، وأن كل من يخالفهم على خطإ وضلال، وأن الدين ينتشر إما بالوراثة، أو بالإكراه، أوباتخاذه وسيلة للعيش وتحصيل منزلة في الدنيا، وقد تحقق من هذا… فأكدت له التجربة أن أصحاب الأديان جميعًا يتكلمون بالهوى لا بالعدل” السابق 75.يقول ابن المقفع: “وجدتُ الأديان والملل كثيرة: من أقوام ورثوها عن آبائهم، وآخرين خائفين مكرهين عليها، وآخرين يبتغون بها الدنيا ومنزلتها ومعيشتها، وكلهم يزعم أنه على صواب وهدى، وأن من خالفه على ضلالة وخطإ…ولم أجد عند أحد منهم في ذلك صفة تكون عدلًا وصدقًا يعرفها ذو العقل ويرضى بها” نقلًا عن باوْل كرَوْس، ترجمة عبد الرحمن بدوي في: من تاريخ الإلحاد في الإسلام، مرجع سابق ص 73-75.

[18] -”من أين أوجبتم أن الله اختص قومًا بالنبوة دون قوم ؟…. ومن أين أجزتم في حكمة الحكيم أن يختار لهم ذلك…. ويؤكد بينهم العداوات ويكثر المحاربات، ويهلك بذلك الناس ؟” أدونيس، السابق ص 86.

[19] -”زعم عيسى أنه ابن الله، وزعم موسى أنه لا ابن له، وزعم محمد أنه مخلوق كسائر الناس… ومانى وزرهشت (زرادشت) خالفا موسى وعيسى ومحمدًا في القديم، وكون العالم،وسبب الخير والشر، ومانى خالف زرهشت في الكونين (النور و الظلمة) وعالمهما، ومحمد زعم أن المسيح لم يُقتل، واليهود والنصارى تنكر ذلك وتزعم أنه قُتل وصُلب” السابق ص 87 – 88.

[20] -”أنكم تدعون أن المعجزة قائمة موجودة,وهى القرآن, وتقولون: من أنكر ذلك فليأت بمثله…وإن أردتم بمثله في الوجوه التى يفضل بها الكلام, فعلينا أن نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء وما هو أطلق منه ألفاظًا وأشد اختصارًا في المعاني، وأبلغ أداءً وعبارة وأشكل سجعًا, فإن لم ترضوا بذلك, فإنا نطالبكم بالمثل الذى تطالبوننا به”السابق ص90.

[21] -”فقد دللتُ على أقسام الحكمة، وظهر أنه ليس شيء منها يشتمل على ما يخالف الشرع، فإن الذين يدّعونها ثم يزيغون عن منهاج الشرع إنما يضلون من تلقاء أنفسهم ومن عجزهم وتقصيرهم، لا أن الصناعة نفسها توجبه، فإنها بريئة منهم ” ابن سينا: تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات(5)، نقلًا عن: مصطفى عبد الرازق، مرجع سابق، ص 61.

[22] – أبو علي بن سينا: النجاة (مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر، دون رقم الطبعة، 1331هـ) ص1.

[23] – المصدر السابق، ص 6.

[24]– “مهما يكن فإن المنطق ما انفك يعترف بهويته اليونانية… أنكر بعض الفقهاء المسلمين منفعته… كما قام نزاع عنيف بين المنطق والنحو على صلاحية معيرة اللغة العلمية” عادل فاخوري: منطق العرب من وجهة نظر المنطق الحديث (دار الطليعة، بيروت، ط3، 1993م)، ص27.

[25] -” فإن كان الرسول يأتي مؤكدًا  لمافيه ( أى: في العقل ) من التحسين والتقبيح والإيجاب والحظر فساقط عنا النظر في حجته وإجابة دعوته , إذ قد غنينا بما في العقل عنه. والإرسال على هذا الوجه خطأ , وإن كان بخلاف العقل من التحسين والتقبيح والإطلاق والحظر , فحينئذٍ يسقط عنه الإقرار بنبوته ” أدونيس: مرجع سابق ص 76

[26] -”وهكذا تعلق الناس بالأديان من طول الإلف لمذهبهم ومر الايام والعادة واغترارهم بلحى التيوس المتصدرين في المجالس… وحدثنا فلان عن فلان بالذور والبهتان, وبرواياتهم الأخبار المتناقضة…. إنما غرهم طول لحى التيوس وبياض ثياب المجتمعين حولهم” نقلًا عن: أدونيس: السابق ص 89.

[27] -نقلًا عن الشيرازي في المجالس المؤيدية، نقلًا عن باوْل كرَوْس، نقلًا عن وترجمة عبد الرحمن بدوي في من تاريخ الإلحاد في الإسلام، مرجع سابق ص 103.

[28] -”فرأيت أني لا أصل إلى الحق إلا من خلال آراء يكون عنصرها الأمور الحسية وصورتها الأمور العقلية , فلم أجد ذلك إلا فيما قرره أرسطوطاليس من علوم المنطق والطبيعيات والإلهيات التي هى ذات الفلسفة وطبيعتها (لأنه) أحكم الأصولَ التي فيها يُسلك إلى الحق فتدرك طبيعته وجوهره وتوجد ذاته وماهيته“نقلًا عن: محمد عابد الجابري: تكوين العقل العربي، مرجع سابق، ص350.

[29] – أبو علي بن سينا: منطق المشرقيين (المكتبة السلفية، القاهرة, 1910 م ) ص5: 7

[30] – الفارابي: إحصاء العلوم , نقلًا عن: مصطفى لبيب عبد الغني: دراسات في تاريخ العلوم عند العرب (دار الثقافة, القاهرة, ط3، 2002 م ) ص 78.

[31] – ” أول من عُرف عنه القول بقدم العالم أرسطو، وكان مشركًا يعبد الأصنام، وله في الإلهيات كلام كله خطأ من أوله إلى آخره ” ابن قيم الجوزية: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ( المكتبة الثقافية , بيروت، ج2 , دون رقم الطبعة , 1983م) , ص 190.

[32] – السابق، 191.

[33] –”ردَّ أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبله من الإلهيين …إلا أنه استبقى أيضًا من رذائل كفرهم وبدعتهم بقايا. لم يُوفق للنزوع عنها. فوجب تكفيرهم. وتكفير شيعتهم من المتفلسفة الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما“أبو حامد الغزالي: المنقذ من الضلال(مطبعة حسان، القاهرة، دون رقم الطبعة، د.ت) ص112 .

[34] -”العرب كانوا مع شركهم وكفرهم يقولون: إن الملائكة مخلوقون، وكان مَن يقول منهم إن الملائكة بنات الله يقولون أيضًا إنهم محدَثون…وقولهم من جنس قول النصارى في أن المسيح ابن الله، مع أن مريم أمه، ولهذا قرن سبحانه بين هؤلاء وهؤلاء. وقول هؤلاء الفلاسفة شرٌ من قول هؤلاء كلهم“ابن تيمية: الرد على المنطقيين، تحقيق الشيخ عبد الصمد شرف الدين المكتبي، راجعه وأعده لهذه الطبعة: محمد طلحة بلال منيار(مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 2005 م) المقام الثالث: شرك الفلاسفة أشنع من شرك الجاهلية، ص 143، انظر أيضًا: “فمع اليهود والنصارى من الحق بالنسبة إلى مجموع ما معهم أكثرُ مما مع هؤلاء من الحق. بل ومع المشركين عباد الأصنام من العرب ونحوهم من الحق أكثرُ مما مع هؤلاء بالنسبة إلى ما معهم في مجموع فلسفتهم النظرية والعملية-الأخلاق، والمنازل، والمداين“السابق ص224.

[35] – ابن القيم، السابق 193.

[36] -”وهذا الشافعي وأحمد وسائر أئمة الإسلام وتصانيفهم وسائر أئمة العربية وتصانيفهم وأئمة التفسير وتصانيفهم لمَن نظر فيها هل راعوا فيها حدود المنطق وأوضاعه وهل صح لهم علمهم بدونه أم لا؟ بل هم كانوا أجل قدرًا وأعظم عقولًا من أن يشغلوا أفكارهم بهذيان المنطقيين، وما دخلَ المنطق على علم إلا أفسده وغيّر أوضاعه وشوّش قواعده“ابن قيم الجوزية: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة(دار الكتب العلمية، بيروت، دون رقم الطبعة، 1998 م) ص163.

[37] -” كما هى عادته سبحانه وسنته في عباده إذا أعرضوا عن الوحي وتعوضوا عنه بكلام المعطلة والملاحدة من الفلاسفة وغيرهم ” ابن القيم، إغاثة اللهفان، مصدر سابق 197.

[38] – السابق , الموضع نفسه.

[39] – مصطفى عبد الرازق , السابق ص 89.

[40] -” مع انتشار آياته المستبينة (أي: آيات الرسول )… فإنها ليست محصورة على ما وجد منها في عصره… بل تتجدد بعده على تعاقب العصور، وذلك أن كرامات الأنبياء من أمته… براهين له قواطع ومعجزات له سواطع… وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة والمدخل إلى الشّرشّر ” ابن الصلاح: الفتاوى, نقلًا من مصطفى عبد الرازق, ص 85.

[41] -” وأما استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية فمن المنكرات المستبشعة… وليس بالأحكام الشرعية والحمد لله افتقار للمنطق أصلًا ” السابق ص 86. وقد استعمل الفقهاء وعلماء أصول الفقه الاصطلاحات المنطقية الأرسطية في ترجماتها العربية انظر الغزالي مثلًا حيث يستعمل(المقدمة-المقدم-البرهان-الشرطي المنفصل-الشرطي المتصل)وغيرها، المستصفى، مصدر سابق، ص30-34.

[42] -” فالحكمة التى جاءت بها الرسل هى الحكمة الحق…. , فرقها الله بين أنبيائه ورسله , وجمعها لمحمد (ص) ” ابن قيم الجوزية، السابق ج 2, ص 188.

[43] – السابق, ص 194.

[44] –”وفيما كتَبْنا في كتابنا هذا ، مِن ذِكر ما مَنَّ الله به على العباد من تعلم الكتاب والحكمة-: دليل على أن الحكمة سنة رسول الله“محمد بن إدريس الشافعيّ : الرسالة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان، دون رقم الطبعة، د.ت،  ص32 .

[45] – حسن حنفي: هموم الفكر والوطن , ج1 (دار قباء , ط2, 1998 م) ص 112.

[46] – “فنهى النبي (ص) عن التشديد في الدين، وذلك بالزيادة على المشروع، وأخبر أن تشديد العبد على نفسه هو سبب لتشديد الله عليه , إما بالقدر , وإما بالشرع ” ابن قيم الجوزية، إغاثة اللهفان، مصدر سابق، ج 1 , ص 105 .

[47] -” ومحصل ذلك أن النظر الذى يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية، فيجرد منها أولًا صورًا منطقية على جميع الأشخاص… ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معان أخرى، ثم تجرد ثانيًا… وثالثًا إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية…. وهى الأجناس العالية ” عبد الرحمن بن خلدون: المقدمة ، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس الأستاذ خليل شحادة، وراجعه الدكتور سهيل ذكار(دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، دون رقم الطبعة، 2001 م) ص 707.

[48] – السابق , ص 709.

[49] – حسن حنفي: من النقل إلى الإبداع, م3، ج2 (سابق) ص 185.

[50] – نقيض ما قامت به ثقافة الصورة في آخر مراحلها من تحويل الإبستمولوجي إلى أنطولوجي, انظر الفصل الثالث من هذا البحث تحت عنوان: تجسُّد النسق.

[51] -تأسسَ علم أصول الفقه مثلًا عند الغزالي والأشاعرة عمومًا على المذهب لا المنهج، أي: على علم الكلام ونظرية الأشاعرة في نقض قضية الحسن والقبح العقليين الاعتزالية، انظر مثلًا الغزالي: “الكلام هو العلم الأساسي في الرتبة إذ منه النزول إلى هذه الجزئيات“المستصفى، مصدر سابق، ص 7، كما أن الغزالي يبدأ كتابه ويؤسس ما يلي من فصول العلم على الرد على المعتزلة في قضية الحسن والقبح العقليين: “لهذا قلنا أن العقل لا يحسن ولا يقبح ولا يوجب شكر النعم، ولا حكم للأفعال قبل ورود الشرع“، السابق ص 45.

[52] – أبو علي بن سينا: رسالة الحدود, نشرة عبد الأمير الأعسم: المصطلح الفلسفي عند العرب (الهيئة المصرية العامة للكتاب , ط2 , 1989 م), ص231.

[53] – المصدر السابق ص 232.

[54] -”فأما الحدود الحقيقية , فإن الواجب فيها بحسب ما عرفناه من صناعة المنطق أن تكون دالة على ماهية الشيء, وهو كمال وجوده الذاتي، حتى لايشذ من المحمولات الذاتية شيء إلا وهو مضمّن فيه, إما بالفعل, أو بالقوة.“،السابق, ص 232

[55] – السابق ص 233 – 234.

[56] -”فهو يرى أن أصل اللغة ليس نبوًيا، وأن الأنبياء لم يتلقوها بالوحي الإلهي، فاللغة نتاج إنساني قديم، (لاأول له) وهذا يعني أنها اصطلاح وطواطؤ، وليست توقيفًا ووحيًا، أي أنها ليست تعليمًا من الله ” أدونيس: الثابت والمتحول، ج2، ص79

[57] – يحيى هويدي: ماهو المنطق ؟ مكتبة النهضة المصرية، ط1، 1966 م، ص 111.

[58] – حدود الرسالة حسب ورودها: الله – العقل – النفس – الصورة – الهيولى – الموضوع – المادة – العنصر – الأسطقس – الركن – الطبيعة – الطبع – الجسم – الجوهر – العرض – المَلَك – الفلك – الكوكب – الشمس – القمر – الجن – النار – الهواء – الماء – الارض – العالم – الحركة – الدهر – الزمان – الآن – النهاية – الما لا نهاية  – النقطة – الخط – السطح – البعد – المكان – الخلاء – الملاء – العدم – السكون – السرعة – البطء – الاعتماد والميل – الخفة – الثقل – الحرارة – البرودة – الرطوبة – اليبوسة – الخشن – الأملس – الصلب – اللين – الرخو – الهش – المُشفّ – التخلخل – التكاثف – الاجتماع – المتماسّان – المتداخل – المتصل -الاتحاد– التتالي– التوالي – العلة -المعلول– الإبداع –  الخلق – الإحداث – القدم.

(47) [59] – أبو علي بن سينا: الشفاء, المنطق,1- المدخل , تصدير طه حسين , مراجعة إبراهيم مدكور, وتحقيق الأب قنواتي ومحمود الخضيرى وفؤاد الأهواني (وزارة المعارف العمومية، القاهرة، دون رقم الطبعة، 1953 م) ص17-18

– منطق المشرقيين، مصدر سابق، ص9 وما بعدها

– النجاة، مصدر سابق، ص 3:5

– الإشارات والتنبيهات، شرح نصير الدين الطوسي، تحقيق سليمان دنيا ( دار المعارف القاهرة دون رقم الطبعة،1960م)ص182

[60]– أبو علي بن سينا: القصيدة المزدوجة، في منطق المشرقيين، مصدر سابق، ص7.

[61] – السابق، ص 8.

[62] – أبو علي بن سينا: النجاة ( مصدر سابق )، ص6

[63] – كان لكل طائفة نوعان من الأعداء: نوع ينافسها على النفوذ السياسي والجماهيري والإعلامي والعلمي، ونوع فكري تتخذ من قدرتها على هزيمته شرعيةً لوجودها أمام النوع الأول من الأعداء، فكان نوع أعداء الفلاسفة الأول المتكلمين ورجال الدين والشعراء، وكان العدو الثاني السفسطائيين ( أى المغالطين بعامة في الأقيسة )، وذلك مثلما كان للماركسية نوعان من الأعداء: عدو سياسي جماهيري إعلامي عقدي هو الإسلام، وعدو تتخذ من قدرتها على هزيمته مبررًا لاستمرارها وانتشارها أمام الإسلام وهو الرأسمالية والإمبريالية، ذلك فيما يتعلق بفترة الحرب الباردة في الدول الإسلامية ومنها مصر.

[64] – هذا البحث، الفصل الأول: أ-1.

[65] – السابق، ص 11.

[66] -” (إنّ) قولنا: ( أن الحرب ستكون غدًا أو لاتكون ) واجب ضرورة ً، فأما قولنا: أن الحرب ستكون غدًا: فليس واجبًا ضرورة ً، ولا قولنا أنها لن تكون غدًا بواجبٍ ضرورة ً، لكن الواجب ضرورةًإنما يكون أو لايكون فليس كل إيجاب وسلب متقابلين فأحدهما صادق ضرورةً والآخر كاذب ضرورة ً. ” أرسطوطاليس: كتاب العبارة، الفصل التاسع، المنطق، تحقيق عبد الرحمن بدوي ( مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، دون رقم الطبعة، 1948 م ) ص 75. ( وهو شك أفقي ).

[67] –Aristotle: Metaphysic, in The works of Aristotle, loeb ed. , (Harvard university press , London , 2nd Ed. , 1956) pp.524-531

[68] – يتضح ذلك بالسلب حين يتضح كيف هاجم أنصار ثقافة الحقيقة (كالغزالي مثلًا) العلية الطبيعية، “وأصل جملتها – علوم الطبيعة – أن تعلم أن الطبيعة مسخرة لله بنفسها، بل هى مستعملة من جهة فاطرها، والشمس والقمر والنجوم والطبائع مسخرات بأمره،لا فعل لشيء منها بذاته عن ذاته“.أبو حامد الغزالي: المنقذ من الضلال (دار المعارف، القاهرة، 1955م) ص 104.

[69] -”فإن قال قائل: قد فصلتم مذاهب هؤلاء أفتقطعون القول بكفرهم ووجوب القتل لمن يعتقد اعتقادهم؟ قلنا: تكفيرهم لابد منه في ثلاث مسائل إحداهن مسألة قدم العالم” أبو حامد الغزالي: تهافت الفلاسفة، تقديم وضبط: أحمد شمس الدين (دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2000م، ص209.انظر كذلك هذا البحث، الفصل الأول: ب-1.

[70] -من محاور التكفير عند ابن تيمية تلك القضايا الثلاث في تهافت الغزالي، قدم العالم، وعلم الله بالجزئيات دون الكليات، والبعث النفساني لا الجسماني، وقد تفرقت هذه القضايا في الرد على المنطقيين، وإذا كان مقصود الغزالي الرد على الفلاسفة عمومًا في مذاهبهم، فإن مقصود ابن تيمية الرد على المنطق ذاته الذي أوصلَ الفلاسفة إلى هذه النظريات، والتكفير أخطر حين يتعلق بالمنطق منه حين يتعلق بالمذهب، انظر ابن تيمية:”ثم إن الصابئين ابتدعوا الشرك فصاروا مشركين. والفلاسفة المشركون من هؤلاء المشركين. وأما قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئًا، ويؤمنون بأن الله محدِث لهذا العالم ويقرُّون بمعاد الأبدان، فأولئك من الصابئة الحنفاء الذين أثنى الله عليهم“الرد على المنطقيين، مصدر سابق، ص334. وانظر في مسألة علم الله بالجزئيات دون الكليات: “يجعلون الشفاعة مبنية على ما يعتقدونه من أن الرب لا يفعل بمشيئته وقدرته، وليس عالمًا بالجزئيات، ولا يقدر أن يغيّر العالم“السابق ص 144.انظر كذلك ابن القيم: “وهذا المذهب من أفسد مذاهب العالم وأخبثها، وهو مبني على إنكار الفاعل المختار(أي: الفيض)وأنه تعالى لا يعلم الجزئيات ولا يقدر على تغيير العالم ولا يخلق شيئًا بمشيئته وقدرته، وعلى إنكار الجن والملائكة ومعاد الأجسام. وبالجملة فهو مبني على الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر“مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، مصدر سابق ص 437-438.

[71] – أبو علي بن سينا: منطق المشرقيين (مصدر سابق) ص 7:5.

[72]” وما جمعنا هذا الكتاب لنظهره إلا لأنفسنا – أعني الذين يقومون منا مقام أنفسنا – وأما العامة من مزاولي هذا الشأن فقد أعطيناهم في كتاب الشفاء ما هو كثير لهم وفوق حاجتهم“، المصدر السابق، ص1.

[73] – المصدر السابق، ص يد-يه.

[74] – أبو علي بن سينا: القصيدة المزدوجة، في منطق المشرقيين (مصدر سابق)، ص2: 16، هناك كذلك بعض الاستطرادات الخارجة عن النسق كالمطالب والحد في النهاية، ص 16: 18.

شرفنا بتعليقك